-A +A
حسن النعمي
في لحظة مناسبة انطلقت خطط التنمية، لكنها بقيت في مراوحة تدور حول نفسها، وبعض ما أنجزنا أملته الضرورة وليس التنفيذ كما تصورته خطط التنمية، إذن نحن نخطط، لكن نترك التنفيذ حسب اعتبارات مختلفة، وهو ما جعل خططنا التنموية بطيئة في الاستجابة المواكبة للنمو السكاني. ويضاف إلى ذلك أننا عندما نخطط نأنف من الاستجابة لتجارب الآخرين الناجحة، وكأننا جبلنا على تجربة الفشل قبل بلوغ النجاح.
سأقصر حديثي على تنمية قطاع المواصلات، وهو من أهم القطاعات المؤثرة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فمن أكثر الأخطاء التنموية التي أثرت بشكل سلبي هو عدم التوازن في تنمية القطاعات. إضافة إلى بطء التنفيذ وأحيانا سوء التنفيذ.
بدأ مشروع التنمية منذ أوائل السبعينات الميلادية مع إطلاق أولى خطط التنمية الخمسية ونحن الآن في الخطة التاسعة ومازال قطاع المواصلات يعاني من بطء في تلمس احتياجات المجتمع.
بالنسبة للطرق السريعة فقد تم تنفيذ معظمها بمسار واحد خلق من الحوادث الدامية ما الله به عليم، ولم يتم إضافة مسارات ازدواجية إلا في الخطط المتأخرة وعلى استحياء. كما أن تنفيذها متأخرة بسنوات أدى إلى تصاعد التكلفة الإنشائية وزيادة تكلفة التعويضات. من يتحمل هذه الأخطاء؟! لا شك أن ضحايا الطرق وذويهم دفعوا ثمنا باهظا دون أن تستشعر الجهات المسؤولة هذه الكلفة الباهظة.
أما الطيران، فمؤسسة واحدة، الخطوط السعودية، بدأت فاعلة وانتهت كسيحة بسبب زيادة الطلب وبقائها دون تطوير في بنيتها وفي أسطولها مما أدى إلى عجزها عن تلبية الطلب وتراجعها إلى مؤسسة مثقلة بالمشكلات والأعباء الإدارية والفنية.
ويرتبط بالطيران قطاع المطارات التي تجاوزها الزمن من حيث الخدمات أو التسهيلات التي تقدم للمسافرين. أصبحت تجربة الطيران في المملكة تجربة لا إنسانية، تجربة من عذاب تبدأ بصعوبة إيجاد مقعد وتنتهي بعذابات الدخول للمطار، أي مطار، من حيث ضعف الإمكانات وخاصة الترحيل من صالة السفر إلى الطائرة. أما الفورة الأخيرة في إعادة تحسين المطارات، وبناء بعضها فهي متأخرة جدا وقد ننتهي منها ونفاجأ بتطورات أخرى لا نستطيع مجاراتها.
ويأتي الموضوع الأكثر وجعا، الأكثر حيرة، قطاع سكك الحديد. بلد مثل بلادنا ذات رقعة جغرافية بمئات الكيلومترات تستوجب دون أدنى شك شبكة متصلة بالسكك الحديدة تربط أجزاء المملكة المترامية الأطراف، توفر آلاف الأرواح التي ذهبت ضحية الطرق البائسة. الالتفاتة المتأخرة للبدء في تنفيذ هذه الشبكة ما يزال أقل كثيرا من المأمول، بطء وصعوبات في التنفيذ، وتخصيص أماكن دون غيرها. في مرحلة متأخرة مثل هذه، وفي ظروف اقتصادية مثالية كان يتوجب البدء في شبكة سكك حديدية تغطي أجزاء المملكة المترامية في غضون عقد من الزمن. لم لا؟! ونحن نمتلك المال، والاحتياج الإنساني والاقتصادي في أوجه. أما ما يجري الآن فمزيد من تكبيد المجتمع الكثير من الخسائر البشرية جراء حوادث الطرق القاتلة.
ولا يقل داخل المدن إهمالا عن الربط بين المدن، بل المعاناة أشد في ظل طرق لا تستوعب عدد السيارات الضخم، وفي ظل غياب شبكة مترو وحافلات متطورة. الحلول بطيئة، والانهماك بتقديم حلول لمشكلات بنيوية ما كان يمكن أن تقع لو كان هناك تخطيط بعيد النظر. فحلول اليوم الجزئية مجرد حلول ظرفية، ستصبح مشكلات في القادم من الأعوام. ويصبح تصحيحها باهظا بعد أعوام. السؤال لماذا لم يتم تخطيط شوارعنا بمفهوم مختلف؟! بمعنى هل أردنا منها مجرد شوارع تسير فيها المركبات كيفما اتفق؟ أم أردنا منها شوارع تمضي فيها حركة السيارات بمرونة؟ هل خططنا شوارعنا لتكون مهيأة لشبكة المترو متى ما دعت الحاجة؟ للأسف تم تخطيط شوارعنا وكأننا نعيش في ضيق من الأرض!!
خطط التنمية لا يصبح لها قيمة ما لم تضع حلولا فاعلة. ولعل واقع الحال ينبئ عن خطط لم تنفذ، وإن نفذت فتنفيذها جاء بأقل مما وعدت. من هنا يظهر كساح هذه الخطط التي لم تسعف المجتمع بحلول إبداعية. وإذا كنت هنا قد ركزت على تنمية قطاع المواصلات المتعثر فالقياس على غيره ممكن كالصحة والتعليم والزراعة والمياه والكهرباء، وحتى الرياضة. العجز في تصور المستقبل مشكلة، والتصور الخاطئ مشكلة أكبر.

halnemi@gmail.com


للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة